بورتـريه للفنـانـة بقبّعـة من القـشّ
للفنانة الفرنسية فيــجيــه لابــران
ولدت فيجيـه لابـران في باريس وتتلمذت على يد والدها الفنان. وبفضل ما كانت تتمتّع به من ثقافة وحضور وجمال، اصبح لها نفوذ كبير داخل أروقة السياسة في فرنسا الملكية خلال القرن التاسع عشر، رغم أنها كانت تنتمي في الأساس للطبقة الوسطى. برزت لابران خصوصا في رسم البورتريه وحققت الكثير من الشهرة والغنى. وفي العام 1778 تعرّفت على الملكة ماري انطوانيت التي قرّبتها منها وعيّنتها رسّامة للبلاط.وفي 1783 أصبحت الفنانة عضوا في الأكاديمية الملكية التي كانت عضويتها حتى ذلك الحين مقتصرة على الفنانين من الرجال.كانت لابران فنانة غزيرة الإنتاج فقد رسمت عشرات البورتريهات للملكة وأفراد عائلتها وللنبلاء الأوربيين ولها شخصيا.لكن في العام 1789 اضطرّت لمغادرة فرنسا بسبب قيام الثورة وعلاقتها الوثيقة بماري انطوانيت. وقد وصمتها الثورة بالعمالة لـ "النظام البائد" وسارع زوجها إلى تطليقها لحماية ممتلكاته من المصادرة. وخلال سنوات النفي سافرت إلى ايطاليا والمانيا والنمسا وحققت هناك المزيد من الحضور والشهرة. وفي 1802 سمح لها الحكم الجديد بالعودة إلى البلاد بعد الضغوط والمطالبات التي تقدم بها زملاؤها.كانت لابران امرأة جميلة وذكية وموهوبة. وقد عاشت 87 سنة قضت 20 منها مع صديقتها المقرّبة ماري انطوانيت.وبورتريهاتها تتميز بأناقتها اللافتة وبغنى ألوانها ودقة تفاصيلها التي لا تخلو من رومانسية.في هذا البورتريه الجميل الذي رسمته لنفسها، تبدو فيجيه لابران امرأة حقيقية وفنانة أصيلة. وهي هنا تقف بثقة، ممسكة بعدّة الرسم والالوان، ومرتدية زيا حديثا وقبّعة من القشّ.في اللوحة لا بودرة ولا مكياج ولا شعر مرتّب بعناية. وهو نفس الأسلوب التي أخذته لابران معها إلى البلاط الملكي. حتى في البورتريهات التي رسمتها لماري انطوانيت، تبدو الملكة في هيئة بسيطة، وهي سمة تتناقض كليا مع ما كان ُيشاع عن الملكة من بذخ وإسراف. وقبّعة القش البسيطة التي ترتديها الفنانة لا تدلّ بالضرورة على الفقر، بدليل ظهور القرطين النفيسين اللذين تضعهما في أذنيها.ومثل ماري انطوانيت التي كانت تروج الشائعات عن مغامراتها العاطفية ومجونها، كانت فيجيه لابران هي الأخرى موضوعا للكثير من الشائعات، إذ يقال بأنها كانت تنام مع الرجال الذين كانت ترسمهم.عاشت لابران في عصر كانت تغلب عليه الأفكار القائلة بذكورية الفن، ومع ذلك استطاعت أن تتحدّى تلك المفاهيم وان تؤسّس لنفسها وجودا مستقلا، واصبحت في ما بعد اشهر فنانة امرأة رسمت البورتريه. وفي العصور اللاحقة اصبح اسم فيجيه لابران يظهر جنبا إلى جنب مع أسماء كبار الفنانين من الرجال الذين برزوا في رسم البورتريه من أمثال رمبراندت و غينسبورو و سارجنت وسواهم.بورتريه فيجيه لابران هو اليوم من ضمن مقتنيات الناشيونال غاليري بلندن.
الأمــــل
للفنان البريطاني جـورج فريدريـك واتـس
قد لا تصنّف هذه اللوحة ضمن الأعمال الفنّية التي تثير الفرح أو تبعث على البهجة والارتياح، لكنها مع ذلك تحمل فكرة إنسانية عظيمة وتثير أجمل وأنبل ما في النفس الإنسانية من مشاعر وأحاسيس.عندما أتمّ جورج واتس رسم اللوحة منذ أكثر من مائة عام، سرعان ما وجدت طريقها إلى كلّ بيت وأصبحت حديث الناس والنقاد، على السواء، في بريطانيا.
وبالنظر إلى مضمونها العاطفي والإنساني العميق، فقد انتشرت اللوحة حول العالم واستنسخت مرارا وتكرارا وظهرت العديد من قصائد الشعر التي تستمدّ من مضمون اللوحة موضوعا لها.
العنوان قد لا يدلّ على جوّ اللوحة، إذ نرى امرأة معصوبة العينين وحافية القدمين وهي تجلس في وضع انحناء فوق ما يبدو وكأنه مجسّم للأرض بينما راحت تعزف على آخر وتر تبقّى في قيثار مكسور.
تعابير وجه المرأة غامضة إلى حدّ ما، بينما يغرق المشهد كله في موجات مهتزّة من اللازوردي والأصفر بتدرّجاتهما المشعّة.
بعض النقاد يرون أن اللوحة تعبّر في الواقع عن اليأس وتثير إحساسا بالحزن، بينما يرى آخرون أنها تعبّر عن تمسّك الإنسان بالأمل ورفضه الاستسلام لليأس. فالمرأة مستمرّة في العزف حتى بعد أن لم يتبقّ في قيثارتها سوى وتر وحيد.
واتس كان احد أعظم الفنانين الذين ظهروا خلال العصر الفيكتوري، وكان للوحاته مضامين رمزية؛ أخلاقية وفلسفية وروحية.
في ذلك العصر كان الفنانون والأدباء والشعراء مفتونين بالموسيقى وعناصر الجمال المختلفة. ومثل معظم معاصريه، كان واتس منشدّا إلى فكرة الموت، إذ كان يرى فيه مفسّرا للحياة وامتدادا لها.
وربّما لهذا السبب، تروق لوحاته كثيرا للمتديّنين وللفئات الاجتماعية المحرومة، بالنظر إلى طبيعتها الروحية التي تضفي على مشاعر الحزن والألم واليأس طابعا من الجمال والنبل والقداسة.
كان واتس يرسم الأفكار لا الأشياء، وكثيرا ما كان يحيط شخوص لوحاته بأجواء ضبابية أو غائمة للإيحاء بأنها انعكاس لأفكار ورؤى معيّنة.
وكان يعتقد دائما أن باستطاعة الفن أن يعبّر عن قوّة الحياة وإرادة الإنسان.وفي الوقت الذي كان معاصروه يميلون إلى تصوير الأمل والمعاناة والحزن والحياة والموت على هيئة نساء إغريقيات يرتدين ملابس طويلة وشفّافة، كان واتس يجد كل هذه المعاني والظواهر داخل نفسه ويعبّر عنها بمناظره التي يرسمها اعتمادا على معرفته وخبراته الذاتية وميله للتأمّل والنزوع الفلسفي.
والذي يتملّى البناء الفنّي لهذا اللوحة المتميّزة لا بدّ وأن ينصرف تفكيره إلى لوحة بيكاسو الشهيرة عازف الغيتار العجوز، التي تصوّر عجوزا أعمى يعزف على غيتاره بلا اهتمام.
وهناك من المؤرّخين والنقاد من ذهبوا إلى أن لوحة واتس، الموجودة اليوم في متحف تيت البريطاني، تتضمّن صورة سياسية مجازية، وأن المرأة ليست في الحقيقة سوى رمز لبريطانيا التي فتحت العالم وبلغت أوج مجدها وانتصاراتها خلال حكم الملكة فيكتوريا.لكن ذلك كله لم يجلب السلام ولم يحقّق للناس السعادة وراحة البال التي كانوا يتطلعون إليها في ذلك الوقت