الفنانة التشكيلية رؤى البازركانالمرأة المقطعّة في اعمالي هي الوطن.. بداخلي حالات ثورية
القاهرة / حوار نبيل الشاوي
المشاهدة الأولية لأعمال الفنانة التشكيلية المغتربة رؤى البازركان قد يظن المتلقي انها تعيش ترفا فنيا وكرنفالا لونيا، وان اعمالها محصورة بالأمتاع البصري والمشاهدات البراقة..
لكن الحقيقة غير ذلك، فعند تشريح اعمال الفنانة البارزكان والغوص في لاوعي اللوحة نجد ان تلك الأعمال تخبئ بين طيات الوانها حكايات، ونساء، والام ووطن مغدور.
ذلك ان الفنانة رؤى منذ بداية تكوينها الفني كانت قد تميزت بأسلوبها ولم تقلد اي من المدارس الفنية أو اي من الفنانين العظام فصيرت لها اسما في سماء الفن العراقي وتميزا بين النساء الفنانات القلائل.
هذا لأنها ابنة سومر والموروث التأريخي للفن الرافديني العريق الذي منه نهل الكثير من الفنانين العراقيين والأوروبيين الكبار والعرب وعادة ما يرتبط اسم فنان بالمدرسة التي ينتمي اليها أو بمنجزه الأبداعي المختلفة لكن الفنانة رؤى البازركان ارتبط اسمها بالعراق اولا وبأسلوبها المتفرد ثانيا.
التقينا الفنانة البازركان صحبة زوجها الأديب حسن عجمي في القاهرة في قاعة التيلي وكان هذا الحوار.
* ماهي الثيمة التي بها تنجزين نصوصك الفنية؟
- من المؤكد ان الرسم بالنسبة لي يشكل نوعا من التفريغ الداخلي وهذا التفريغ يتأتى من تراكمات المشاهد الحياتية من واحداث الحياة .. فهناك من يكتب وهناك من يغني وهناك من يرسم، فلكل واحد لديه اسلوبه الخاص في اطلاق عما يعتلج بداخله من مشاعر فياضة وثيمة الرسم التي تشكلت لدي نابعة من كوني امرأة لذا دائما تدخل تشكيلة المرأة في لوحاتي فاشكلها بالصيغة التي اشعر بها على شكل الوان وخطوط تكون على شكل امراة.
* خطوطك والوانك هل تصدر عن قصدية مسبقة؟
- عادة تعاملي مع الفرشاة واللون لايأتي بقصدية مع سبق التخطيط .. انما يكون تلقائيا، وكثير من لوحاتي بعد ان اعمل لها تخطيط مسبق بسيط للفكرة، واتخيل كيفية اللون سيكون عليها الا اني عند التنفيذ أجد ان كثير من هذه الألوان قد تغير ونتيجة هذا لأرتباطها بالحالة النفسية التي اعيشها في تلك اللحظة تكون غير قصدية هذا لأن القصدية جاءت نتيجة تشكيل الأسقاطات اللاواعية .. واضف لذلك ان الحالة النفسية لها تأثير مباشر بتغيير الألوان على اللوحة وتكون لها جماليتها الخاصة على اللوحة لذا يكون لدي احيانا صراع مع بعض اللوحات هذا لأني لاأقتنع باللون الذي اسبغته عليها.. ولا ننسى ان المعاناة كلها تنطبع على النتاج الفني فكما ان الحزن يؤثر على اللوحة كذلك الفرح له ذات التأثير. فأحيانا اعتقد بأني ساخرج بنتيجة جيدة للوحة فاذا بها بعد الأنتهاء منها ليست بالمستوى المطلوب. وان الفن التشكيلي واللوحة لها علاقة مباشرة بذائقة المتلقي حيث ان رأيهم له الأثر الكبير جدا.
* للمراة حيز كبير في منجزك الفني ماهي دلالاتها الخاصة بعالم الفنانة البازركان؟
- كثيرون من الفنانين يطلقون علي بأني متحيزة للمرأة، الا اني اجد هذا شيء طبيعي لكوني امراة رغم ان الغالبية من الفنانين العراقيين لم يتفاعلوا مع لوحاتي التي امثل فيها المرأة ولكوني امرأة اعتبر هذا شيء طبيعي لأنه انعكاس لشخصيتي وكما ان المرأة مفردة فبأمكاننا ان نستنتج الكثير من قضاياها التي نعيشها في حياتنا ونشكلها من خلال امراة.. ليس هذا لأنها مضطهدة أو مهمشة فحسب بل لأن الوطن ايضا امرأة والطبيعة والأرض امرأة وحتى الأحداث في الحياة المفرحة والمؤلمة كلها استطيع ان استخرج اعمالا فنية عن المرأة.. ولناخذ مثلا لدي عدة لوحات لنساء مقطعات وهؤلاء النساء ارمز بها للوطن المقطع.. للأنهيارات، للأنفجارات.
ومن هنا يمكنني ان ارد على بعض الذين يقولون لي: ان الترف يطفو على اعمالي الفنية! انا اتساءل لم يكن من المفروض ان ارسم المرأة متشحة بالسواد أو ارسم انفجار ودماء؟ ان اسلوبي واحساسي بان المرأة المقطعة هي انفجار ووطن.. فتلك المراة اراها في كل مكان وفي كل تفاصيل الحياة والوطن.
* بمن تأثرت من الفنانين التشكيليين في بداية مشوارك الفني؟
- منذ بداياتي وأول لوحة رسمتها في حياتي كان الأسلوب الذي ميزني بالرسم هو اسلوبي الخاص.. الا ان تأثري بعدها كان بالمدرسة السيريالية وتأثرت باعمال -سلفادور دالي- جدا بالأضافة الى اني كنت احب الاعمال التي بها رموز فالسريالية تثير الرموز اذا كانت في الاحلام واللاوعي لأن هذا جانب من دراستي التخصصية بدبلوم البحث الاجتماعي اني دائمة الأنتماء للجوانب النفسية للوحة فكنت اتامل مثل هذه اللوحات وكان اعجابي باللوحات ذاتها وليس بالفنانين.. لذا تجدني من كل فنان اعجب بمجموعة لوحات.. ثم انتقلت من السريالية الى التعبيرية ومن فناني التعبيرية الذي تاثرت باعماله وباسلوبه وتعاطيه باللون هو الفنان -فان كوخ- كما اعجبتني اعمال الفنان -شال دال- وكل هؤلاء المجاميع نجد في اساليبهم الفنية يتعاطون الحلم.... كما لاننسى ان الفنان العراقي جواد سليم لديه تاثيره الخاص في لاوعي الفنان العراقي.
اما بالنسبة لأعمالي فأن الرقبة الطويلة في رسوماتي للمرأة تشبه باعمال الفنان -مودلياني- وذلك في احد معارضي الذي اقيم في دولة اليمن قالت لي احدى الصحفيات الاجنبيات ان اعمالي تشبه اعمال الفنان العالمي مودلياني.
ونذكر ان الفنان العالمي اكثر مادته الفنية اخذها من الحضارات العربية والافريقية وكانت من اجمل ماأنتج من اعمال لأنه وظف كل جوانب الحياة في ابداعه لذا فمن المؤكد ان كل هذا العالم مترابط الواحد بالآخر وينهل من بعض وخصوصا من حضارة تحمل ابداع العصور مثل حضارة وادي الرافدين.
* الفنانة رؤى بعيدة عن الواقعية ماسبب نأيك عنها؟
- جانب من تكويني وشخصيتي مرتبط بدواخلي في اللاوعي.. ومطالعاتي الأدبية وتخصصي الذي هو بالبحث الاجتماعي وعلم النفس.. فهذه كلها تقودني للولوج الى الاعماق، وهذه هي الواقعية التي نشاهدها عيانا لكن دواخل النفس نشاهدها حينما نغمض اعيننا... لذا تجد ان الكثير من النساء في اعمالي مغمضات العيون وتلك هي الرؤية من الداخل... الذي هو الحزن والالم ومعاناة الانسان هذه كلها العالم الداخلي للانسان... اما الواقع فاننا نراه بأعيننا الذي من الممكن ان يتكون على شكل صورة..
قبل سنوات اقيم معرضا لمجموعة من الفنانين الانطباعيين في قاعة الدروبي ببغداد وكنت احدى المشاركات بذلك المعرض فقدم اعمالا عن الطبيعة، الا لوحتي التي رغم انها عن الطبيعة الا انها مختلفة ولاعلاقة لها بالواقع..! وكما اسميها بطبيعة رؤى هذا لأني ارسم الطبيعة بطريقتي الخاصة.
* الخطوط والألوان تعبر عما يجيش بدواخل الفنان، وعن قلقه الأنساني، اين تقف خطوطك من ذلك؟
-انا من جماعة القلق الذاتي هذا لأني دائما أؤمن انني من ذاتي استطيع الوصول الى مايحيط بي كي احوله الى عمل لذا من غير الممكن ان افصل ذاتي عن كل مايحيط بي.. فمثلا في احد اعمالي كان عبارة عن امرأة مقطعة والتي ارمز بها الى الوطن فليس بالضرورة ان اندب الوطن وابكي عليه.
كما اني رسمت العراق على شكل امرأة فانا من النوع الذي لااحب المباشرة في اعمالي.
* يطغى على لوحاتك اللون الأحمر والبرتقالي والأخضر، ماتشكل هذه الألوان في عالم الفنانة رؤى؟
- الألوان جميعها تتداخل وتمتزج مع ذاكرتي وبصري وكلها تشكل جمالا يستقطبني بتدرجاته اللونية فأذا لاحظت ان هناك الوانا طاغية توصلت لها من خلال مجموعة من اللوحات فاكيد ان هذا تعبير عن حالة نفسية كنت اعيشها في وقت ما فاللون يشكل ذكريات واحداث في حياتنا ونتيجة خلق ذلك اللون يكون إستقراء لما عشته في لحظة معينة.. واذا كان تساؤلك عن ماهية اللون الأحمر فأنا دائما ارمز لهذا اللون بالثورة لأني دائما اشعر ان بداخلي حالات ثورية وانقلابية على الواقع فاللون له علاقة بالحالات النفسية والمزاجية.. وبالمناسبة فان كل الألوان تعيش بداخلي وابتهج بها عدا اللون الأسود الذي لاشعوريا يبتعد عن اعمالي، ولاحظت ان الكثيرين من الذين يشـاهدون اعمالي يتحدثون عن اللون اكثر من اي تفصيل آخر في اللوحة هذا لأني دائما احب ان اخلق عالما مريحا من خلال الواني وهذا ينعكس على مجمل اعمالي.
الرابط: